الدكتورة سارة محمد الشماس
في زمن تكثر فيه التحديات وتتصاعد فيه الحاجة إلى نماذج قيادية أصيلة، تبرز الملكة رانيا العبدالله كصوت استثنائي يجمع بين الرقي والبساطة، بين القوة والرحمة، وبين حضور الدولة ودفء الإنسان. إنها ليست فقط ملكة الأردن، بل ملكة قلوب الكثيرين ممن وجدوا في مسيرتها مصدر إلهام، وفي مواقفها شعاع أمل، وفي كلماتها لغة تُشبههم وتحتضن أحلامهم. لم تكتفِ يوماً بأدوار البروتوكول، بل تجاوزتها لتكون فاعلة ومؤثرة في قضايا تمسّ جوهر المجتمعات العربية، من التعليم إلى تمكين المرأة، ومن مكافحة الفقر إلى تعزيز قيم الحوار والانفتاح. وقد أثبتت الملكة من خلال أعمالها ومبادراتها أن الملكات الحقيقيات لا يُتوّجن بالتاج فقط، بل يُتوّجن بالحب والإجلال الذي تحصده من شعوب تؤمن برسالتها. تحرص الملكة على دعم وتوجيه الأسر، وخاصة قطاع المرأة، من خلال إنشاء مشاريع ريادية منتجة، مع تركيز خاص على مناطق الريف والبادية والمخيمات والأطراف، لتوفير فرص عمل، وتنويع مصادر الدخل، وتمكين الفئات المستهدفة من بناء مستقبل أكثر استقرارًا واستقلالًا. هذا التوجه الإنساني النبيل يعكس إيمانها العميق بأن التمكين يبدأ من القاعدة، وأن النهوض بالمجتمع لا يكون إلا بشمول جميع فئاته دون تهميش أو إقصاء. لعلّ أكثر ما يلفت في شخصية الملكة رانيا العبدالله هو قدرتها النادرة على الموازنة بين الحداثة والهوية، وبين العالمية والخصوصية الثقافية. فهي تظهر في المحافل الدولية مدافعة عن قضايا العدالة وحقوق الإنسان، لكنها في ذات الوقت تحرص على أن تظلّ المرأة العربية حاضرة، قوية، فاعلة، وغير مهمشة. لقد حملت قضية فلسطين في ضميرها، ورافعت من أجل القدس، ونادت بحقوق النساء الفلسطينيات والعربيات في أن يكنّ صانعات للمستقبل لا مجرّد متلقّيات له. في كل صورة تجمعها بالطلبة، وفي كل مبادرة أطلقتها في قرية نائية أو حيّ شعبي، كانت الملكة رانيا تعبّر بحضورها المفعم بالإنسانية، وتنقل رسالة دعمٍ واحتواء تلامس القلوب وتُشعر الجميع بأنهم في قلب اهتمامها .تلك البساطة الممتزجة بالحكمة، والتواضع الذي لا ينفصل عن عمق الرؤية، هو ما يجعل منها أكثر من مجرد شخصية عامة؛ إنها بحق مدرسة قيادية متكاملة في الفكر والإنجاز والموقف. لقد آمنت ملكتنا بأن الثقافة مقاومة، وأن المعرفة سلاح، وأن هوية الشعوب تُصان حين تُكتب حكاياتها بأقلامها لا بأقلام الآخرين. من هنا، فإن كل من يكتب عن التراث أو يوثّق وجع بلاده أو يطرز ثوبًا فلسطينيًا بخيوط الذاكرة، يرى فيها حليفة في المعركة النبيلة ضد النسيان.
ولم تقتصر جهود الملكة رانيا على المستوى الوطني فحسب، بل امتدت لتكون جسرًا بين الشرق والغرب، ووجهًا عربيًا مشرفًا في المنتديات العالمية، يعكس صورة المرأة العربية المعاصرة بكل ما فيها من ذكاء ومرونة وفكر. لقد سعت، عبر كل منصة، إلى إعادة تعريف صورة المرأة في الأذهان العالمية، وتفنيد الصورة النمطية التي لطالما ظلمت المرأة العربية. ولأن الإلهام لا يُدرّس بل يُعاش، فقد باتت قصص النساء اللواتي تأثرن بالملكة رانيا تُروى بفخر، سواء في المدارس الأردنية، أو في اللقاءات النسائية، وجدن في شخصها قدوةً ومثالاً حيًا على أن الأنوثة لا تعني الضعف، وأن الرفق لا يعني التردد.
الملكة رانيا العبدالله، ستبقين أيقونةً لكل امرأة تسعى لصناعة الفرق، وصورةً ناصعةً لما يجب أن تكون عليه القيادة: محبة، ملهمة، ومتواضعة رغم المكانة السامية.