اليوم العالمي للمرأه في العمل الدبلوماسي

اليوم العالمي للمرأه في العمل الدبلوماسي

 



في يونيو من عام 2022، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بتخصيص 24 يونيو من كل عام ليكون اليوم العالمي للمرأة في العمل الدبلوماسي. وجاء هذا الاعتراف تتويجًا لمسيرة طويلة من الكفاح والنضال الذي خاضته النساء لدخول عالم الدبلوماسية، الذي ظل لعقود حكرًا على الرجال.\

وقد تم تنظيم حلقة نقاشية تحت مظلة المنظمة العربية للتنمية المستدامة ممثلة برئيسها الدكتور واصف العابد كجزء من فعالياتها و مبادراتها في التنمية المستدامة وكان لي شرف القاء هذه الكلمة للحضور الذي تواجد خلال الحلقه و أثرى النقاش  بالتعريف بمعنى دور المرأة في العمل الدبلوماسي وطرق تفعيل هذا الدور  و التحديات التي تواجه المرأة في هذا السلك المهم و الحساس و ماهية دورها الحقيقي فيه

وعليه كانت هذه الكلمة 


نحتفي اليوم  سويًا باليوم العالمي للمرأة في العمل الدبلوماسي، وهو مناسبة لا تقتصر على الاحتفال بإنجازات النساء، بل تدعونا للتأمل في عمق حضور المرأة في مساحات صنع القرار، وتحديدًا في واحدة من أكثر هذه المساحات حساسية وتعقيدًا: السلك الدبلوماسي.

هذه المهنة التي ترتكز على تمثيل الدول، وصياغة مواقفها، وإدارة علاقاتها الدولية، ظلت لعقود طويلة حكرًا على الرجال، لكن المرأة أثبتت أنها ليست فقط جديرة بالحضور، بل قادرة على إعادة تشكيل ملامح هذا الحضور بما يحمله من فكر ورؤية وتأثير.

حين نتحدث عن المرأة في العمل الدبلوماسي، فنحن لا نتحدث عن حضور رمزي، أو محاولة لسد فراغ عددي، بل عن نساء يُدِرن الأزمات، ويُشرفن على المفاوضات، ويُشاركن في صياغة سياسات دولية تمس مصائر الشعوب.

ووفقًا لتقارير أممية، فإن نسبة النساء في السلك الدبلوماسي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، ليس فقط في دول الشمال، بل أيضًا في العالم العربي، وإن كان بنسب متفاوتة.

لكن كيف يبدو هذا الدور على أرض الواقع؟ ما الذي أنجزته النساء فعليًا في هذا المجال؟

نجد أن المرأة اليوم تشغل مناصب رفيعة في السلك الدبلوماسي:

ودعوني اولاً اتحدث عن  منطقتنا العربية، تمثل السفيرة لانا نسيبة دولة الإمارات العربية المتحدة في الأمم المتحدة، وترأست مجلس الأمن الدولي أكثر من مرة، وكانت صوتًا واضحًا لقضايا التعايش والسلام.

وفي الأردن، تبرز أسماء نسائية في الخارجية والسفارات، من أبرزها السفيرة جمانة غنيمات، التي تمثل المملكة في باريس، وكانت قبلها متحدثة باسم الحكومة ووزيرة للإعلام، وتُعد من الوجوه التي جمعت بين الخبرة الإعلامية والرؤية السياسية.

أما في فلسطين، فلا يمكن أن نغفل دور الدكتورة حنان عشراوي، التي مثلت الصوت الفلسطيني العقلاني في المنتديات الدولية، وكانت من أوائل النساء العربيات اللاتي قدن وفودًا تفاوضية على هذا المستوى.

أما في الأمم المتحدة، تشغل روزماري ديكارلو منصب الأمينة العامة المساعدة للشؤون السياسية، وتلعب دورًا محوريًا في إدارة ملفات النزاع في مناطق مختلفة من العالم.

وفي ألمانيا، تقود وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك السياسة الخارجية لبلادها بلغة صريحة وواضحة، تتبنى قضايا البيئة وحقوق الإنسان وتعيد تعريف دور المرأة في الدبلوماسية الأوروبية.

والجدير بالذكر  هنا ان ممثلي الاتحاد الأوروبي في الخارج هن نساء، فيما تبنت دول مثل السويد وكندا سياسات خارجية تُسمّى “الدبلوماسية النسوية”، هدفها تعزيز العدالة، والمساواة، والسلام من منظور أكثر شمولًا.

وعلينا أيضاً ان نشير و بكل صدق ان هذا الحضور لم يكن سهلًا. المرأة التي ارتدت بدلة العمل الدبلوماسي، واجهت تحديات مضاعفة: نظرة تقليدية تشكك في قدرتها على تمثيل الدولة، بيئة عمل يغلب عليها الطابع الذكوري، مهام خارجية طويلة تضعها أمام معادلة معقدة بين الواجب الوطني والحياة الأسرية.

ورغم ذلك، أثبتت المرأة أنها لا تقل كفاءة ولا احترافية، بل أضافت بعدًا جديدًا للدبلوماسية: بعدًا أكثر إنسانية، أكثر إدراكًا لتأثير السياسات على المجتمعات، وأكثر التزامًا ببناء علاقات قائمة على الثقة لا الصراع.

الحضور الكريم اود أن اذكر ان المرأة الدبلوماسية تنجح ليس لأنها تحاكي الرجال، بل لأنها تأتي برؤية مغايرة.

فهي غالبًا ما تميل إلى الحلول التوافقية، تُتقن فن الإصغاء، وتقرأ ما بين السطور. كما أنها تدمج في الملفات السياسية قضايا كانت تُعتبر هامشية، مثل العدالة الاجتماعية، أو البيئة، أو حقوق الفئات الضعيفة، لتُصبح اليوم قضايا مركزية في العلاقات الدولية.

وفي ساحات الوساطة، نشهد كيف تُستخدم المرأة كعنصر محايد لبناء الثقة بين الأطراف المتنازعة.

ففي العالم العربي، برزت المرأة في الدبلوماسية الثقافية، وقيادة برامج التبادل والتعاون العلمي، وإبراز صورة الدولة على مستوى الشعوب، لا فقط الحكومات.

و في  أفريقيا وأمريكا الجنوبية مثلا، اعتمدت الأمم المتحدة على نساء دبلوماسيات في مهام تفاوضية معقدة، نجحن في تخفيف التوتر وفتح مسارات سلام مستدامة.

و رغم كل هذا، لا تزال هناك فجوات كبيرة في التمثيل النسائي في الملفات الأمنية ما زال ضعيفًا، والنساء أقل تواجدًا في السفارات المرموقة مثل العواصم الكبرى أو ملفات الأمن الإقليمي.

ومع ذلك، فإن الاتجاه العام مشجّع، إذ بدأت كثير من الدول تفهم أن تمكين المرأة في الدبلوماسية ليس واجبًا أخلاقيًا فقط، بل ضرورة استراتيجية.

في الختام، لا يسعني إلا أن أقف احترامًا لكل امرأة تمثّل بلدها اليوم، لا بالشعارات، بل بالفعل، لا بالاستعراض، بل بالمسؤولية والكفاءة والالتزام.

إن حضور المرأة في السلك الدبلوماسي ليس ترفًا ولا رمزية، بل صوت من أصوات الوطن في العالم، ووجهٌ من وجوه السياسة الأكثر توازنًا وإنصافًا وإنسانية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology