بقلم قمر عبدالرحمن /فلسطين
في زمنٍ تُقصف فيه المدن بالحديد والنار، وتُحاصر الأرواح كما تُحاصر الأرغفة، خرجت امرأةٌ من بين الأواني والملاعق تحمل رايةً لا تُشبه سواها. ليست رايةً من قماشٍ، بل من رغيفٍ طريّ ورائحةٍ تُشبه الحياة. إنها ياسمين ناصر، الطاهية التي حوّلت المطبخ إلى جبهة مـ.ـقاومة ناعمة، وجعلت من الوصفة خبزًا للكرامة، ومن الطبق رسالةً لا تقلّ عن الرصاص وقعًا.
ليست مجرد وصفات تُقدم على الطاولة، بل رسائل خفية تُرسل للعالم: أن كل طبق يُصنع بعناية يمكن أن يكون سلاحًا ضدّ اليأس، وأن الإنسان قادر على المـ.ـقاومة بأبسط الأدوات. في لحظةٍ كان فيها أهل غـ.ـزة يصنعون طعامهم من دموع الحنين، تحوّلت ملعقة ياسمين إلى بنـ.ـدقية وجلست أمام كاميرتها، تخلط الطحين بالماء، وتقول للعالم: "حتى من العدم، يمكن أن نخلق حياة"
هي لا تطهو طعامًا فحسب، بل تطهو فكرةً... فكلّ وصفة من يديها تُعيد تعريف الإنسانية، وتُذكّرنا أن المـ.ـقاومة ليست فقط بـ.ـندقية تُطلق النار، بل يدٌ تُشعل نار الطهو كي لا ينام الأطفال جياعًا.
من الطحين خُلِق الدجاج… ومن الرحمة وُلدت مـ.ـقاومة
حين صنعت وصفات مثل "دجاج الطحين" و"فاصوليا الصبار" ، لم تكن تُقدّم مجرد طعام، بل أملًا متجسدًا.
في كل وجبة، تحكي قصة صبر أهل غـ.ـزة، وتؤكد أن القليل من الموارد لا يعني القليل من الحياة، وأن الابتكار يمكن أن يكون أقوى من كل الخذلان.
لقد صارت ياسمين في وعي الناس طاهيةً تُقاتل بالرحمة، تُمسك بالمِلعقة كما يُمسك المـ.ـقاوم بعزيمته. وفي كل فيديو، في كل ابتسامةٍ منها، هناك همسٌ يقول:
"أنتم لستم وحدكم"
ما تصنعه ياسمين ليس طعامًا يُؤكل، بل ذاكرةً تُروى.
تكتب بالملح سيرة الشعوب التي لا تموت، وتُعلّمنا أن الإنسانية هي أسمى أشكال المـ.ـقاومة، وأن الطهو حين يُصبح فعل حبٍّ صادق، فإنه يهزم الحـ.ـرب دون أن يُريق دمًا.
وهكذا، من مطبخٍ صغيرٍ في عمّان، تُشعل الشيف ياسمين ناصر نارًا لا تُطفئها الرياح؛ نارَ التضامن وجذوة التآزر، وفي رائحة الخبز الذي تُقدّمه، تشمّ غـ.ـزة رائحة وطنٍ لا يزال يقاوم بالقلب، والإيمان.